*تجارب الأمس في الإجابة على اسئلة الجيش حول الهدنة والدعم السريع! ياسر عرمان*

للجيش اسئلة موضوعية بالإمكان الاجابة عليها إذا توفرت الارادة السياسية لكافة الأطراف، والجيش طرف مهم في معادلة الحرب ومن واجب القوى الديمقراطية المدنية الحوار معه في الفضاء العام طالما تعذر الحوار المباشر حول اسئلته الموضوعية، وكذلك طرح اسئلة قوى الثورة والتغيير عليه وعدم تركه نهباً للإسلاميين وهو أهم من يُترك فريسة لهم ولانفرادهم.

الجيش اكبر من الحركة الإسلامية وقائده السابق عمر البشير تلاعب بتلك الحركة وقيادتها، وبين الجيش والجماعة زواج مصلحة طرفه الاهم الجيش، وهو أوسع من هيئة قيادته ولم يكن في يوم من الايام كتلة صماء بل ان غالبيته من فقراء الريف والمدن ويعاني من خلل تاريخي وبنيوي.

الحركة الاسلامية الآن تتوجس من قيادة الجيش وقد رأينا مؤخراً بذاءة صحفيات الغفلة ضد قائد الجيش، وشاهدنا ما قاله عبد الحي يوسف وطرحه وحتى عمسيب، كل هذه البذاءة خرجت من معطف الحركة الإسلامية بالجنيه وبالدولار.
في تلمسنا لاسئلة الجيش الموضوعية ومخاوفه الحقيقية علينا ان نتصدى بحزم وعزم لاسئلة الحركة الإسلامية الايدلوجية التي ظاهرها رحمة بالوطن وباطنها مطامع الاسلاميين في السلطة والموارد والقضاء على ثورة ديسمبر.

الحقيقة ان الجيش إذا خير بين قوى الانتقال المدني وقوى الثورة التي لا تحمل سلاح وبين الدعم السريع، سيختار الدعم السريع! على اساس تقاسم السلطة والموارد وعدم المحاسبة، ومشكلتهم الوحيدة مع الدعم السريع انهم يريدونه كشريك أصغر، ويدركون ان النصر المطلق غير ممكن وجميع حروب السودان تم حلها بالتفاوض، فماذا عن أكبرها؟! الجيش يعمل على أخذ شمال وغرب وجنوب كردفان وأجزاء من دارفور حتى يتفاوض مع الدعم السريع كشريك اصغر ويجرده من المقدرة على إقامة حكم موازي، وحتى لا يضع رأسه مساوياً لرأس الجيش وهي المعضلة التي لم تحل في اطار الانقلاب وتم اللجوء لحلها عن طريق الحرب وهذا الطريق سيطيل امد الحرب على حساب المدنيين والدولة والسودان، ولا ضمانات لتحقيق ذلك رغم الوعود الخارجية.

من الذكاء ان نتجاهل ان الحركة الإسلامية لا علاقة لها بالجيش فيكفي الرجوع لشهادة هاشم عبد المطلب رئيس هيئة الأركان السابق، ولا نحتاج للتذكير بالسفيرة ام حمد التي كلفها الامين العام السابق للحركة الإسلامية الزبير محمد الحسن بالتحقيق مع قادة الجيش من أعمامها وعلى رأسهم الفريق أول عوض ابن عوف. حكاية الجيش والحركة الإسلامية قديمة لم تبدأ بالمرحوم إبراهيم شمس الدين ونفوذه الواسع ولم تنتهي عند الهادي عبدالله وعوض الجاز أو شهادة دكتور الترابي لأحمد منصور، ومن الذي بامكانه ان يكذب الترابي حينما يتعلق الأمر بالحركة الإسلامية.

ما هي أسئلة الجيش الموضوعية؟

أهم أسئلة الجيش هي:
١/ هل ستقود الهدنة لتقوية الدعم السريع عسكرياً ويعود للحرب بأقوى مما هو عليه الآن؟
٢/ هل ستؤدي الهدنة للنموذج الليبي؟ وهي أسئلة موضوعية وتستحق الاجابة.

ما هي أجوبة الجيش على الاسئلة أعلاه؟ الجيش يرى الاستمرار في الحرب ويضع شروط متعسفة على رأسها استسلام الدعم السريع وتجميعه في نقاط يتم تحديدها، فبينما أسئلة الجيش موضوعية فان أجوبته غير موضوعية، وللجيش تجارب طويلة في انهاء الحروب منذ اتفاق اديس ابابا عام ١٩٧٢، وهذه الاسئلة جديدة قديمة في وضع غير مسبوق لم يواجهه جعفر نميري وكل من آتى بعده، وتجارب الأمس اعتمدت الحلول الجزئية، وبعد الدمار الذي شهدته بلادنا اليوم فأننا نحتاج لحل شامل ومشروع يوحد شعبنا وبلادنا ويستديم السلام والديمقراطية والتنمية ويقوم على المواطنة بلا تمييز.

تجارب الأمس مفيدة لاسئلة اليوم، ولولا طمع قادة الحركة الاسلامية في السلطة الذي اعمى أبصارهم لكانوا جديرين بالمساهمة في الإجابة على تلك الاسئلة بحكم تجاربهم الماضية.

قضية الدعم السريع

لها وجهان، تعددية الجيوش وامراض الدولة القديمة وتحتاج لمعالجة رصينة ونهائية لا تعيد الحرب، والأساس ان ننطلق من بناء جيش واحد مهني يعكس التنوع وغير مسيس، وتلك هي القضية الرئيسية والوجه الأول والذي يجب ان يطرح على الرباعية من قبل قيادة الجيش، باعتماد بناء جيش واحد وحل جميع المليشيات والجيوش. اما الوجه الاخر لقضية الدعم السريع هو غياب المشروع السياسي الذي يحقق التوافق الوطني الكافي على أساس الحرية والسلام والعدالة.

هل الهدنة مدخل للحرب ام للسلام؟
لاجابة هذا السؤال الذي لا يطرحه الجيش فقط انما الشعب السوداني كله، الاجابة تكمن في اعتماد هدنة قصيرة لمدة شهر مثلاً قابلة للتجديد لحل الكارثة الإنسانية وحماية المدنيين، تشمل مبادئ وشروط موجودة في اتفاقيات وقف النار وربطها بالحل السياسي وببعثة مراقبة يُمثل فيها الطرفان وتراقب الحدود البرية والجوية وتمنع تسليح الطرفين من الخارج والتجنيد وتسمح فقط بالواجبات الإدارية العادية للجيوش، وترفع الحصار عن كافة الحاميات وغيرها من اجراءات. السودان له سجل طويل من التجارب السابقة التي تجيب على مخاوف الجيش والدعم السريع، وتمكن فرق المراقبة التي تضم الطرفين من التأكد بأن الهدنة تخدم السلام وليس العودة للحرب، وفي أضابير اتفاقيات السلام السابقة حلول يمكن تطويرها.

هل يمكن تجميع قوات الدعم السريع؟
التجميع لا يعني الاستسلام بل هو اجراء من قبل الطرفين لتوسيع الفضاء المدني وتقليص دائرة الحرب والسماح بحرية الحركة للمدنيين وحمايتهم ، وتنطبق على الطرفين بالاتفاق على نقاط وحاميات للجيش والدعم السريع خارج مناطق تواجد المدنيين، وفي الحالة الحالية يمكن ان يتفق طرفي الحرب للخروج خارج المدن والقرى وتركها للشرطة السودانية وبعثة المراقبة الدولية والاتفاق على نقاط التجمع لحين الوصول لحل سياسي وترتيبات امنية جديدة.

محاولة شراء الوقت الحالية من قبل قيادة الجيش والتي يهلل ويكبر لها الاسلاميون، ستقود الجيش للصدام مع المجتمع الدولي والإقليمي خصوصاً إذا اظهرت الولايات المتحدة الامريكية جدية كافية في انهاء الحرب بعد زيارة الأمير محمد بن سلمان ولخدمة مصالحها الحيوية في البحر الاحمر والقرن الأفريقي والساحل.

من مصلحة الجيش ان يستفيد من خطل البشير وأكاذيبه بان (المجتمع الدولي تحت جزمته) وعلى المجتمع الدولي ان (يبل ويشرب) تعاويذه، وانتهى الأمر بالبشير ان شرب تعاويذه.

متوقع من الدعم السريع بعد إعلانه قبول الهدنة ان لا يهاجم مواقع الجيش في بابا نوسة وغيرها وان يدافع عن نفسه فقط حتى يثق الناس في عرضه.

علينا في القوى المدنية ان لا نكون صدى للاحداث وما يفعله الاخرين وان نعمل مع شعبنا ما استطعنا اليه سبيلا وان نأخذ كتاب اعلان الرباعية بقوة ونحوله لإعلان للمبادئ فهو قد استجاب لمطالب شعبنا.

٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole