ألسنة وأقلام
مليشيا الجنجويد ..
من الجريمة المنظمة إلى الإرهاب
بابكر إسماعيل
٧ / ٦/ ٢٠٢٤
نمت حركات دارفور المسلحة واشتدّ ساعدها وقوي عودها بعد ثمان سنوات من مفاصلة الإسلاميين في ختام العام ١٩٩٩ .. ..
حركة تحرير السودان حركة علمانية يقودها محام شاب من قبيلة الفور اسمه عبد الواحد محمد نور وانفصل عنه لاحقاً أمين عام الحركة مني أركو مناوي وهو زغاوي – ترعرعت حركة تحرير السودان تحت كنف الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان SPLM و SPLA أمّها الرءوم وأبيها الشرعي ومن خلفهم الحزب الشيوعي واليسار العريض والعلمانية السودانية ويساندهم رتلٌ من عملاء المخابرات الغربية والإمبريالية العالمية ونافذون مثل منصور خالد ومحمد إبراهيم دريج وشريف حرير.
أمّا الحركة المتوضئة (حركة العدل والمساواة) التي أخرجت شطئها من شجرة الحركة الإسلامية المباركة بقيادة زعيمها المرحوم الدكتور حسن الترابي أستاذ القانون الدستوري السابق بجامعة الخرطوم فقد حررت شهادة ميلادها كتاباً أسودَ .. استقي معلوماته من وزراء الحركة المتمردة الذين اتيحت لهم إحصاءات الدولة الرسمية ومصادر معلوماتها قبل تمردهم فاستباحوها خدمة للآيدولوجيا والقبيلة .. فحشدوا ذلك الكتاب المشئوم بمعلومات اجتهدوا ليثبتوا فيها استئثار عرق دون أعراق دارفورية بذهب معزّ الدولة السودانية وصولجانها وما دروا أن تلك بقية من إرث احتلال بغيض ساهم في نهضة مثلث دنقلا الأبيض سنّار لحاجة في اقتصاده حيث أقام به مشروع الجزيرة وربطه بالميناء وجامعة الخرطوم ومستشفى الخرطوم وبنك الخرطوم وسكك حديد السودان لخدمة إمبراطوريته الاقتصادية .. فنشر التعليم المتوسط والثانوي في ذلك المثلث لرفده بالكتبة والمعاونين الإداريين .. ولم يكن لذلك علاقة بإثنية أو عرق فكلنا عند المحتل البريطاني Black Bustard
غزت حركة العدل والمساواة بقيادة الطبيب المتمرد جبريل إبراهيم حكومة الإنقاذ في عقر دارها وقدس أقداسها بالخرطوم وكان ذلك في مايو من العام ٢٠٠٨ .. ولكن تكسّرت نصال سيوفها ومواسير راجماتها في سفح كبري النيل الأزرق الجديد (كبري المهندسين) .. حيث تصدّى لهم صناديد هيئة العمليات والجيش فلقّنوهم درساً لن ينسوه ..
تميّزت كلتا حركتي دارفور (ربيبة العلمانية منها ووليدة الإسلاميين) بالضربات العسكرية السريعة حيث كانوا يستخدمون سيارات نصف نقل pick up ذات دفع رباعي يربطون عليها مدافع الدوشكا والثنائيّة والرباعية والراجمات متعددة المواسير .. فيحدثون خراباً سريعاً في مدن حواضرهم بدارفور وما جاورها فينهبون البنوك ويخرّبون مؤسسات الدولة والمرافق الخدمية ثم يولّون هاربين قبل أن يتصدى لهم الجيش السوداني الذي لم يكن متحمّساً لقتال تلك الحركات لأنّ جلّ مقاتليه كانوا من حواضر دارفور وبقية الهامش السوداني (اصطلاح يشمل دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة) ..
أسّس الفريق عبد الرحيم محمّد حسين وزير الدفاع السوداني آنذاك قوات حرس الحدود من عرب دارفور والبوادي المحاذية لها في جوار السودان.. وتحديداً من الرزيقات المحاميد وعلى رأسهم الشيخ موسى هلال وذلك لصدّ عدوان حركات دارفور بنفس أسلوبها الهجومي وزُوّدت هذه القوات بالسلاح والعتاد وسيارات الدفع الرباعي..
وفي العام ٢٠١٣ برز حميدتي دقلو كمنافس لموسى هلال وعمل مقاولاً لتوفير المقاتلين من الرزيقات الماهرية من بوادي دارفور والسهل الإفريقي (الدول المجاورة .. تشاد والنيجر بصورة أساسية) ..
وكان المتمرّد حميدتي أكثر ذكاءاً وطموحاً من موسى هلال الذي أُبعد من قيادة المعارك بعد أن اتهمته المحكمة الجنائية إضافة للرئيس السوداني والوزير أحمد هارون والرقيب الجنجويدي علي كوشيب واللواء عوض ابنعوف بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية.
عُيّن المتمرد الجنجويدي حميدتي دقلو في رتبة العميد (خلاء) وأسست له قوات الدعم السريع تحت إشراف جهاز الأمن السوداني وهيئة عملياته وكان الغرض الرئيس لهذه القوات هو القضاء على حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة .. ولم يخيّب الدعم السريع رجاء وزير الدفاع حيث قصم له ظهر قوات العدل والمساواة وكانت الفصيل المقاتل الرئيس والمدعوم بالمقاتلين الإسلاميين الأشداء وشباب قبيلة الزغاوة الكوبي وكان ذلك في العام ٢٠١٣ في معركة بمنطقة قوز دنقو بولاية جنوب دارفور.
واستمر نفوذ حميدتي في الصعود .. واستطاع عبر علاقات جهاز الأمن السوداني أن يوجد له دوراً في مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والتي تتخذ من دولة السودان معبراً لها خاصة من مهاجريي دول القرن الإفريقي..
وكذلك عهد عمر البشير الرئيس السابق لحميدتي بتوفير مقاتلين من قبائل عرب الشتات للمشاركة في حرب عاصفة الحزم في اليمن مسانداً للملكة العربية السعودية والأمارات العربية المتحدة اللتين كانتا تقاومان التمدد الإيراني الشيعي في جزيرة العرب وذلك حين دعمت إيران قوات عبد الملك الحوثي التي استولت على السلطة في اليمن في سبتمبر من العام ٢٠١٤.
استطاع قائد قوات الدعم السريع العميد (خلاء ) حميدتي وبعض ضباط الارتباط مثل اللواء حينها عبد الفتاح البرهان تأسيس علاقات دافئة مع قيادة دولة الأمارات والسعودية وذلك بتسهيل من الجاسوس السوداني طه الحسين والذي كان مديراً لمكاتب الرئيس المعزول عمر البشير قبل اكتشافه في أكبر اختراق استخباري للدولة السودانية.
صارت لقوات الدعم السريع علاقات مزدهرة مع دولة الأمارات العربية المتحدة وذلك بعد سقوط نظام الرئيس البشير واعتلاء الفريق أول عبد الفتاح البرهان وحميدتي لرئاسة السودان ونشطت مليشيا الجنجويد في تهريب الذهب إلي دولة الأمارات عبر منافذ الدولة العلنية مستغلين دعم الرئيس لهذه القوات ..
وتتهم بعض التقارير قوات الدعم السريع بتجارة المخدرات كذلك ..
وسخّرت قوات الدعم السريع أموال تجارتها في بناء نفوذ اقتصادي وترسانة حربية لقواتها ومن ثمّ سعت للاستيلاء على السلطة في انقلاب فاشل يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣ بدعم من دولة الأمارات العربية المتحدة وآخرين. ..
الجدير بالذكر أنّ المجرم حميدتي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي بدعم من رئيس المجلس وتحالف قوي الحرية والتغيير (وهو تحالف عريض يحتوي على منظمات مدنية وحزب الأمة – جناح آل الصادق، والأحزاب الاتحادية والبعث العربي والمؤتمر السوداني والاتحادي الديمقراطي فرع إبراهيم الميرغني وآخرين).
قامت قوات الدعم السريع باختراق واسع للقوات المسلحة السودانية وقوات الشرطة والأمن والخدمة المدنية .. وسعت عبر كلّ ذلك للقضاء على الجيش في حرب امتدت لأربعة عشر شهراً .. وبإمداد متواصل من الأسلحة والمعينات الحربية من حلفائها بما فيهم بعض دول الجوار السوداني ..
وكذلك قامت بتجنيد قوات تقدّر بمئات الآلاف من قبائل العطاوة في دارفور ودول السهل الإفريقي (تشاد والنيجر وإفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والكاميرون وموريتانيا وشمال نيجيريا وجنوب ليبيا الخ ..) إضافة لقوات من قبيلة النوير الجنوبية ومرتزقة من إثيوبيا وأريتريا وسوريا ..
استباحت هذه القوات البربرية متعددة الجنسيات والسحنات المدن السودانية وعلى رأسها مدن ولايتي الخرطوم والجزيرة فأثخنت في السودانيين قتلاً واغتصاباً ونهبوا الأموال والسيارات والمقتنيات الثمينة من الذهب والمجوهرات وسبوا الحرائر السودانيات وباعوهن في دول الجوار ونجوع دارفور واحتلوا الأعيان المدنية والمرافق الصحية والجامعات ودور العبادة ومقرّات الجيش ومصانع الذخيرة والأسلحة ومطار الخرطوم والقصر الجمهوري ومباني الإذاعة والتلفزيون السوداني ومصفاة البترول الوحيدة شمال الخرطوم ..
مارست مليشيا الجنجويد كل أنواع الجرائم ضد الشعب السوداني الأعزل تعينها دول إقليمية ودول الجوار وشركات أمنية عالمية مثل قوات فاغنر الروسية وتساندها أحزاب سودانية (ذُكرت أعلاه) ودبلوماسيون وزعماء أحزاب وسياسيون سودانيون وإعلاميون ونافذون وأكاديميون وسفراء دول غربية ودول عظمى في مجلس الأمن في أكبر مؤامرة في التاريخ ضدّ دولة واحدة تعاني من ويلات الفقر والحرب الأهلية ونهب الموارد..
قامت قوات الدعم السريع في يوم الثلاثاء ٥/ ٦/ ٢٠٢٤ بارتكاب مجزرة بشعة بقرية ود النورة بمحلية ٢٤ القرشي بولاية الجزيرة (سمّيت المحلية على طالب بجامعة الخرطوم استشهد في ثورة شعبية في العام ١٩٦٤) حيث أبادت المليشيا في خلال ساعتين مائتين من القرويين البسطاء الذين حاوا الدفاع عن قريتهم وممتلكاتهم وبذا دشّنت مليشيا آل دقلو نشاطها الإرهابي الذي يضاف لسجلها السابق تحت رعاية الحكومة المعزولة في أبريل من العام ٢٠١٩ ونرجو أن تتجه حكومة الأمر الواقع برئاسة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان لتقديم شكوى لمحكمة الجنايات الدولية ضدّ مليشيا الجنجويد وداعميها من حكومات الجوار والإقليم.
هذه المليشيا نمت وترعرت تحت رعاية الحكومة السودانية السابقة وتحت التهديد العسكري المتواصل من حركتي العدل والمساواة الدارفوريتين .. وساندتها كذلك أحزاب تحالف قوي الحرية والتغيير نكاية في الجيش السوداني وكان ذلك برعاية وتشجيع سفراء الرباعية (أمريكا وبريطانيا والسعودية والأمارات) ورئيس بعثة اليونيتامس (بيرتثيس فولكر) .. والاتحاد الأوروبي وكذلك سعت دول الإيقاد (كينيا وإثيوبيا ويوغندا تحديداً) للتدخل لصالح المليشيا الإرهابية .. إضافة لجنوب إفريقيا التي استقبل رئيسها قائد المليشيا المجرم ..
ولا ننسى أن الحكومة السابقة أسست مليشيا الجنجويد بغرض الحدّ من تقدم حركتي دارفور المسلحتين المدعومتين من الحزب الشيوعي السوداني والمؤتمر الشعبي ..
وبذا تكون كل الأحزاب السودانية قد تورطت في دعم المليشيا أو دعم الحركات التي تأسست المليشيا بصورة أساسية للقضاء عليها إضافة لمجموعة من دول الجوار والإقليم والمجتمع الدولي وقائمة الاتهام تطال قيادات تمسك بمفاصل السلطة اليوم وكانت في يوم ما .. تتقلّب في نعيم المليشيا وتسبح في بحر عسلها ..
وساعة الحساب آتية ..
ولن ننسى ثأر ود النورة وبقية الجرائم والدماء.