اذكر حينما عينت في وزارة التخطيط (٢٥ يوليو ١٩٨٤) ان اول المشروعات التى مرت بي ضمن العمل وطلب من كتابة مذكرات عنها كانت كهرباء ومياه بورتسودان.
ثم تنقلت في اقسام مختلفة وكانت المشروعات تتداول بين قسم وقسم داخل ادارة القروض الاجنبية بالوزارة بحثا عن التمويل.
ثم جاءت الانقاذ وغادرت الخدمة العامة لحوالى ثلاثة عقود، وبعد الثغيير وسقوط الانقاذ طلب منى الوزير د. ابراهيم البدوى تاسيس ادارة السلع الاستراتيجية بالوزارة (لم تكن موجودة) وكان من ضمن ما اشرف عليه قطاع الكهرباء.
وعندما زاولت عملى لفت انتباهي ان كهرباء بورتسودان ما تزال مشكلة تراوح مكانها وان احد عباقرة الفساد في الانقاذ استأجر باخرة تركية لتزويد المدبنة بالكهرباء في مقابل ما يقارب الخمسة مليون دولار شهريا على ان تلتزم المالية بمنحه وقود الفيرنس مجانا على ما اذكر.
كان ذلك من الفساد الصادم ان تعتمد دولة على اجنبي لانارة ميناها الوحيد. لا ادرى متى تم التعاقد مع الرجل الذى يبدوا انه اخطبوطا كانت له اذرع كثيرة ومتشعبة وسط قيادات نظام الانقاذ وفي الهيئة القومية للكهرباء وشركاتها. واذكر اننى تشاجرت معه ومنعته من دخول مكتبي عندما هددنى بقطع الكهرباء عن المدينة إن لم تسدد المالية مستحقاته وكانت وقتها حوالى ٣٠ مليون دولار.
هذا الفساد الذي ربما قارب العشرة اعوام لا يزال مستمرا والمالية تدفع وتقدم الفيرنس مجانا ورغم ذلك تقطع الكهرباء بصورة راتبة في المدينة. فالمدينة كلها تحت رحمة الرجل. وواضح ان الرجل استطاع مرة اخري تاسيس جيوب فاسدة تعينه على الاستمرار والتكسب من معاناة الشعب السوداني.
وللقارىء ان يتخيل ان هذا الفساد مستمر لقرابة العقد من الزمان (حقيقة لا اعرف متى بدأ تعاقده) وان الرجل يتكسب مع الفاسدين الاخرين من المسؤولين ورغم ذلك لا تتوفر كهرباء للمدينة.
الم يكن ما دفع له من اموال كاف لبناء محطة حرارية جديدة تنهي هذا الابتزاز الذي يمارسه..!
ولتبرئة ذمتها يتوجب على الهيئة القومية للكهرباء ان تعلن من سجلاتها كم دفعت للرجل من اموال منذ ان تم التعاقد معه حتى يعلم الشعب السودانى حجم الفساد الذي ينخر عظم الدولة. عليها ايضا ان توضح للناس لماذا تتمسك بهذا الفساد وتصر عليه و لماذا فشلت طوال هذه المدة في استجلاب وتشييد محطة حرارية تكفي المدينة وتحرر بلادنا من ابتزاز الرجل..!
اصدقكم القول لا وزير الطاقة بقادر على كشف حساب الرجل ولا مدير الكهرباء… لا اعرف ايا من الرجلين ولكن تمسكهم باستمرار هذا الوضع يثير اسئلة كثيرة..! وإن كانا عاجزين عن تصحيح هذا الوضع يتوجب عليهما المغادرة غير مأسوف عليهما ، فهذا وضع لا يمكن القبول به.
فالمعلومات المتوفرة تقول انه تم و يتم (من الداخل) تكسير اى محاولات لبناء محطة حرارية حتى يستمر الرجل ومن معه في التكسب. تلك هي حقيقة الامر وجوهر مشكلة كهرباء بورتسودان. بمعنى ان هنالك نافذون يتمسكون بهذا الوضع الفاسد الشائن، الذي يمثل بقرة حلوب لهم.
بورتسودان لم تعد فقط الميناء الوحيد، بل اصبحت عاصمة البلاد ولا يمكن رهن انارة العاصمة لشخص اجنبي! والله لا اعرف في الدنيا بلدا يترك انارة عاصمته لشخص اجنبي..! اى استخفاف واستهوان بالدولة هذا الذى يحدث!
عليك عزيزي القارىء ان تتذكر ان ولاية البحر الاحمر من الولايات المنتجة للذهب وبكميات كبيرة، لكنها رغم ذلك عاجزة عن حل مشكلة جوهرية كقضية الكهرباء..! كم من الاطنان انتجتها الولاية لعقد من الزمان، ألم يكن ممكنا تجنيب جزء من ذلك العائد لبناء محطة حرارية للمدبنة؟ ام انه الفساد والنهب المستشري والعمولات الدولارية !
من ناحية اخري ومن واقع تجربتي، ان مشكلة الكهرباء في بلادنا لن تنته ان لم يفك وينهي احتكار صناعتها وتصاديقها للهيئة القومية للكهرباء. بمعنى ان يكون للولايات حق التصديق لانتاج الكهرباء حرارية كانت ام من الطاقة الشمسية. هذا يقتضي ان يكون للولايات الحق في ان تنتج ما تريد من الكهرباء بالصورة التى تراها، سواء بالدخول مع مستثمرين او ان تستثمر الولايات من مواردها لوحدها، المهم ان تكون تلك مسؤوليتها حتى يحاسب ولاتها او قياداتها إن وقع تقصير.
ان اكبر عائق لانتاج الطاقة في السودان هى الهيئة القومية للكهرباءللاسف، ولذلك وجب (فدرلتها)، وتحويل صلاحياتها للولايات لتكون الولايات مسؤولة من انتاج الكهرباء لمواطنيها وللاستثمار.
يكفينا فشل هذه الهيئة لقرابة النصف قرن ولتذهب غير مأسوف عليها ويوزع دمها وصلاحياتها بين الولايات.
هل نأمل في صدور قانون جديد يضع حدا لهذه المركزية التى ما انتجت غير الفشل والفساد والتخلف والمعاناة.
هذه الارض لنا
نشر بصحيفة الحدث بتاريخ ٤ يونيو