بنك أهداف الإسلاميين
الالتفاف على الجيش والعنصرية
قوى الثورة والموقف من الجيش
ياسر عرمان
(١)
الحديث هذه الايام عن الجيش كنوم الديك على الحبل صعب ومعقد والغاضبين عن الجيش لم يأتي غضبهم من فراغ بل أتى كنتاج لموقف قيادة الجيش من ثورة ديسمبر والانقلاب والحرب.
رغم ذلك نحتاج لحوار موضوعي حول القوات المسلحة فهي مؤسسة من مؤسسات الدولة والإسلاميين تيار سياسي والجيش أوسع من الحركة الإسلامية، وأخطاء قيادته والجرائم التي ترتكب باسمه لا تعفي من ضرورة التفريق بين الإسلاميين والجيش وفض الاشتباك النظري والفكري والسياسي في مسألة الجيش وعدم الوقوع في المكر المتبادل بين قيادة الجيش وقيادة الحركة الإسلامية وزواج المصلحة بين الطرفين ولكن لكل زواج أجل وكتاب.
(٢)
تجربة الحركة الشعبية والموقف من الجيش:
في عام ١٩٨٨ انضممت لاعلام الحركة الشعبية في مكتب اديس ابابا وكانت إذاعة الحركة الشعبية تلعب دوراً حاسماً في اداء رسالتها السياسية، لم تروق لي عدة أشياء أولها التعامل مع القوات المسلحة ككتلة صماء (جيش العدو) وعدم الحديث عن شهداء الحركة الشعبية باعتبارهم (خسائر) وساعدتني مناهج التحليل اليساري ولا تزال، على الوصول لتحليل مختلف للقوات المسلحة وقررت الدخول في حوار مباشر مع الدكتور جون قرنق حول التركيبة الطبقية والاجتماعية للقوات المسلحة وتأثرها بالصراع السياسي وحروب الرؤى عند الطبقة السياسية وضرورة الحديث عن الشهداء من رموز الحركة الشعبية، وحينما فتحت الموضوع مع دكتور جون قرنق الذي طلبني لمنزله في اديس وكان اليوم يوم من ايام الأحاد، حينها انخرط معي في حوار عميق استمر لعدة ساعات وهو المفكر وضابط القوات المسلحة السابق والأكاديمي والذي يعتمد مناهج التفكير اليسارية حول البنية الفوقية للدولة والنظم الاجتماعية، كان النقاش معه ممتعاً كالعادة والسياسة معه كلعبة كرة الطاولة وضرباتها السريعة كما ان السياسة أيضاً كبيع الثلج والمثلجات السياسية من الافضل بيعها بمبدئية قبل ان تذوب في شمس التطورات المتسارعة.
في تلك المناقشة توصلنا إلى ان القوات المسلحة ذات تركيبة طبقية وتعقيدات اجتماعية وهنالك فرق بين مصالح كبار الضباط وصغار الضباط وضباط الصف والجنود وتتأثر بالصراع الاجتماعي والسياسي حولها وهي ليست جزيرة معزولة، وان بها تيار وطني منذ ثورة ١٩٢٤ مروراً بثورة اكتوبر وأبريل واتفقنا أن ينعكس ذلك في خطابنا السياسي وفي إعلام الحركة الشعبية وعدم التعامل مع الجيش ككتلة صماء، استمر الدكتور قرنق بمدي بمعلومات عن طريق التلفون وأجهزة إشارات الجيش الشعبي وخصوصاً بعد أن أصبحت ناطقاً رسمياً للحركة الشعبية لمدة (١٥) عاماً وكنا نقوم بتحليل الإشارات الملتقطة على نحو يومي من أجهزة القوات المسلحة كما أجرينا حوارات شهيرة في الإعلام مع القوات المسلحة من ضمنها حوار (واط) وكانت بها قوة تنوي الذهاب لمدينة بور يقودها العميد الراحل عبدالعزيز النور في عام ١٩٩٠ وهو ضابط وطني انضم لاحقاً للمعارضة ضد حكم الانقاذ.
يجب ان لا نسمح للإسلاميين للدفع بالجيش في اتجاه عنصري وأثني هو من ضمن بنك أهدافهم ولكن يجب فضحه لانه سيؤدي لانهيار الجيش وتمزيق السودان وزيادة القتل والجرائم.
إسلاميو المؤتمر الوطني يستهدفون هذه الايام على نحو أخص دار فور مواردها البشرية وتناقضاتها الاثنية ويعملون على تحويلها لبؤرة من الصراعات الاثنية مثل تجربتهم السابقة في جنوب السودان وقد دفعوا في هذه المرحلة بالصف الأول من قياداتهم أحمد عباس في سنار وابراهيم محمود في بورتسودان اضافةً لقيادتهم القديمة كرتي وعلي عثمان وغيرهم، وهم هذه الايام يشتمون رياح السلطة لا رياح الجنة وبينهم تناقضات ثانوية تمتد في مناطق تواجدهم من السودان إلى تركيا.
(٣)
حرب دون مركز :
ما يميز الحرب الحالية ان قيادتها لا تتواجد في مركز السلطة التاريخي الخرطوم بل بدأت الحرب بتشريد ملايين الناس وقتلت بعضهم واستولت على ممتلكاتهم وعطلت المؤسسات في مركز السلطة عكس ما هو معتاد في تجارب حروب الهامش السابقة ولكن غياب المركز لا يعني غياب عقليته.
(٤)
ترجع جذور القوات المسلحة الحالية إلى غزو السودان في عام ١٨٩٨ وهي واحدة من أقدم وأعقد المؤسسات وازداد تعقيدها بانقلاب وسيطرة الاسلاميين على قيادتها في انقلابهم عام ١٩٨٩، الجيش اقدم من دولة ٥٦ للراغبين في هذه التسمية ودولة ٥٦ بعيوبها الكبيرة أفضل من دولة ١٩٨٩ وشبه الدولة الحالية هي دولة حرب ١٥ أبريل وهي تشبه أباها وامها.
الإنقاذ عمدت على نحو متواصل في دمج القيادة العليا للجيش في الطبقة السياسية والاقتصادية الحاكمة وربط مصالحها بنظام حكم الإنقاذ ومشاركتها في اقتسام والسيطرة على السلطة والموارد، ومع ذلك من الخطأ النظر للجيش ككتلة صماء تابعة للإسلاميين، فعلى مدى ثلاثة عقود عمل الإسلاميين على تقطيع أوصال الجيش بالفصل والتشريد والإعدامات مع ذلك لم يطمئنوا له وقاموا بإنشاء مليشيات وجيوش موازية لضبط إيقاعه والخوف من الانقلابات وعدم المقدرة على خوض حروب الريف ضد القوميات السودانية ومطالبها العادلة.
الغضب من قيادة الجيش غضب مستحق ومفهوم لكنه يجب ان لا يزيغ البصر والعقل في التحليل السليم لقضية الجيش، فالجيش هو اداة الإسلاميين للقضاء على ثورة ديسمبر وهم اضعف من القدرة للقضاء على الثورة بدون الجيش والقوات النظامية الأخرى ويريدون الاستفراد بالقوات النظامية رغم انها ليست القوات النظامية التي كانت بالأمس وأملهم الوحيد هو امتطاء ظهر الجيش للرجوع للسلطة في زواج مصلحة لا يخلو من التناقضات، ولذا يجب ان لا ننخدع بدعاية حرب الإسلاميين ضد ثورة ديسمبر وبان الجيش قد اصبح جناح عسكري للحركة الإسلامية فهم بقدر ما يحبون امتطاء ظهر الجيش يخافون منه وفي وسائل التواصل الاجتماعي ظلوا يشنون هجوماً على قيادته متى ابتعدت من حبال مكرهم، قضية الجيش لم تحسم بعد وعلينا التحليل الدقيق وفضح ضد مكر الاسلاميين والبحث عن خطاب موزون في مسألة الجيش رغم انحياز قيادته في اكثر من منعطف لزواج المصلحة مع الاسلاميين ومحاولات القضاء على ثورة ديسمبر.
(٥)
أفضل خيار للمجموعة القائمة على زواج المصلحة بين الجيش والإسلاميين هو تقليم وقص اجنحة الدعم السريع ليكون شريكاً أصغر بغية الاتفاق معه، ورفض التفاوض ومنبر جنيف ناتج من ان الدعم السريع اكبر من حجم الشريك الأصغر ويعمل الطرفان الجيش والإسلاميين وهما طرفان وليس طرف واحد من أجل حملة عسكرية تعيد الدعم السريع كشريك أصغر في ظل نظام شمولي معادي لثورة ديسمبر، علاقة الجيش والإسلاميين غير معبدة بالورود بها جرح الترابي والبشير، وتزداد حدة التناقض والأطماع بسبب الحرب وضعف الدولة مع ادارك الطرفين لأهمية زواج المصلحة لاسباب سياسية وعسكرية.
علينا في القوى الديمقراطية وقوى ثورة ديسمبر ان نفكر بعقل صافي وبارد في تحليل مسألة الجيش وان نأكد على موقفنا في ضرورة تأسيس الدولة وبناء جيش مهني يعكس التنوع واكمال مهام الثورة كشرط للحلول المستدامة دون شطط في الموقف من الجيش أو الوقوع في مكيدة الاسلاميين والانحياز لخطهم الرامي لتصفية ثورة ديسمبر بكافة السبل بما ذلك التحريض الأثني والعنصري وجذ الرؤوس وبقر البطون ورفع المصاحف على أسنة الرماح.
علينا ان ندرك ان الحركة الإسلامية قد انحسرت ولم يتبقى في بنك أهدافها فِكر أو فقه أو سياسة بل بنك أهدافها قائم على الالتفاف على الجيش وحوجته للقوة البشرية وللمنصات الإعلامية وهم في ذلك لا يتورعون عن استخدام العنصرية والإثنية وخطاب وممارسة الكراهية في البحث عن فردوس السلطة المفقود وهنا ايضاً يجب ان نفرق بين مواقف المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وكل من رفض الحرب من الاسلاميين ولا تذر وازرة وذر أخرى.
(٦)
ان ثورة ديسمبر لم تخرج خالية الوفاض من الجيش وبالضرورة انها أحدثت أثر داخله وفي صفوفه فالجيش ليس معزول عن مجتمع الثورة ودون غباش رؤية وتغافل شيطان ومكر الاسلاميين ودون إغفال عيوب الجيش الكبيرة وعيوب الدولة منذ نشأتها إلا ان الجيش كمؤسسة لابد من بناءه وهيكلته في اطار برنامج تأسيس الدولة وبلادنا تحتاج إلى جيش واحد والعمل على انهاء اختطاف الاسلاميين لمؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش، وقد شرعت ثورة ديسمبر في تحرير الجيش ولكن اكبر أخطاءها انها بعد فض الاعتصام وصعود الحركة الجماهيرية اتخذت تكتيكات دفاعية وليست هجومية في القضاء على اختطاف الاسلاميين للدولة مما أدى لتخريبهم المستمر وخلط الأوراق بما في ذلك تأثيرهم المباشر داخل وخارج الجيش ولازلنا في ظل الحرب نحتاج لتحليل تركيبة الجيش وأهميته كمؤسسة قابلة لاعادة البناء دون ان نلقي بالجنين والماء إلى قارعة الطريق وفضح حرب الاسلاميين دون هوادة وبخطاب متوازن تجاه الجيش.
ليس كل من يناصرون الجيش في هذه الحرب ضد ثورة ديسمبر بل ان الناس العاديين يربطون بين الجيش وبقاء الدولة والحاجة لتوفير الامن وكطريق قصير لانهاء الحرب وهذا يحتاج لنقاش عميق وهادئ دون تخوين مع بنات وابناء شعبنا والتزود بدروس مهمة من تجارب الصومال واليمن وليبيا والعراق دون الوقوع في مصيدة الاسلاميين مع الإمساك بقوة بكتاب ثورة ديسمبر وأدارك ان الجيش والإسلاميين مؤسستان وليس مؤسسة واحدة.
النصر للجماهير
النصر للديسمبريات والديسمبريين
الثورة أبقى من الحرب
٨ أكتوبر ٢٠٢٤