إن معرفة الجاني الحقيقي عبء، وملاحقته حمل ثقيل وما دام الجميع يعرفه، فما جدوى التسمية؟ ولماذا نُرهق بالنا؟ نكتفي بطعن الظل، ونُفرغ جحيم صدورنا عليه. فلا يمكن أن نحمّل الدولة المالكة لقناتي “العربية” و”الحدث” وزر ما يحدث، بل نلقيه على كاهل مراسلة إخبارية.
لنكن صادقين؛ وزير الإعلام “خالد الأعيسر” هو الصوت الوحيد في حكومة “الأمل” الذي يدرك تطلعات الجماهير ويستشعر المزاج العام. يحاول أن يكسو الدولة بلمسة من الهيبة المفقودة، وهو يعلم تماماً أن الجنود السودانيين الذين يقاتلون دفاعاً عن حكم العائلات المالكة في السعودية لن ينسحبوا، وأن العلاقة مع المملكة لن تُقطع، وأن قناة “العربية” لن تغادر السودان.
لن يحدث شيء من هذا القبيل، لذلك علينا أن نبني توقعاتنا بما يمكن تحقيقه ضمن معطيات واقعية. ليس من المنطق أن تتخذ وزارة الاعلام موقفاً حاسماً تجاه “إعلامية” أجرت قبل أيام حواراً مع رئيس الوزراء، بطلب من مستشاريه، متجاوزين الوزارة وإدارة الإعلام الخارجي ، وهما المؤسستان المعنيتان بترتيب الأنشطة الإعلامية للحكومة.
الحقيقة أن “دولة الظل” وقعت في مأزق أخلاقي وسياسي، جراء الإهانة الفادحة التي وجهتها المملكة السعودية لحكومة السودان. فقد عادت زيارة رئيس الوزراء “د. كامل إدريس” ووفده خاوية، لم تسفر سوى عن لقاءين عابرين؛ أولهما مع وزير الخارجية، لم يكن رسمياً بل زيارة للاطمئنان على صحته، وثانيهما مع رئيس رابطة العالم الإسلامي. أما رئيس الغرفة التجارية السعودية فلم يلتقِ به إلا مصادفة أثناء دعوة عشاء أقامتها السفارة السودانية، ثم انهمرت بعد ذلك انتقادات الرأي العام .
السودان اليوم، في غياب السيادة، غارق في الفوضى والتشظي. وهو أحوج ما يكون لعمل جماعي صادق ينتشله من فوضى حكامه الذين فتنتهم السلطة و المال، فجعلوا منه بلداً جحيماً، وحوّله بعضهم إلى محطة ترانزيت ينهبون ثرواته، ويعبثون به، ثم يفرّون محصنين بروابط أو بجوازات سفر أجنبية اشتروها بمال وسمعة السودانيين.
التاريخ يعلّمنا أن الدول لا تنهار فجأة، بل تتآكل شيئاً فشيئاً. كل فساد يُترك دون محاسبة، كل ظلم يمر بلا عدالة، كل حق يُهدر بصمت، هو لبنة تُنتزع من جدار الدولة. ومع تراكم الشروخ، لا بد أن تأتي لحظة الانهيار الكبرى، حيث لا ينفع ندم ولا تُجدي شعارات.
محبتي واحترامي
https://www.facebook.com/share/p/17RtMyDRxh/