*ماذا تخطط امريكا للسودان ، وكيف تدير حربها من وراء ستار الإمارات في السودان  ..؟..*حيدر التوم خليفة*

*امريكا اوجدت الرباعبة ليس من اجل حل المشكلة السودانية ولكن من اجل إحتكار حلها بما يخدم مصالحها*

*حيدر التوم خليفة*

من لا يري ان هذه الحرب هي *حرب أمريكا من وراء ستار فهو مُغيّب* …

قد يبدو العنوان غريباً ، ولكن للاسف هذا هو الواقع ، وهذا ما سوف يكشفه هذا المقال ، فأعمي من لا يقرأ المستخبئ بين السطور ..

في مقال سابق لي قبل حوالي سنتين ، ذكرت فيه ان العالم سوف *يتناسي حرب السودان الحالية* ، وسوف تعمل امريكا وحلفاؤها علي *حفظ التوازن العسكري للطرفين ، حتي يصلا الي مرحلة الانهاك* ، والتي تليها مرحلة *كسر العظم* ، او الحرب المجنونة ضد الجيش السوداني ، بدعم امريكي إسرائيلي متعاظم لمليشيا الجنجويد ، متخفي وراء الستار الاماراتي ، وهي حرب سوف تشهد انتهاكات يندي لها الجبين ، مما يفتح الباب امام إحتمالين ، *تقسيم السودان ، او التدخل العسكري الاممي* المتجاوز للفيتو الروسي والصيني ، لان كلاً من الدولتبن سوف تجد نفسها في *موقف اخلاقي ، يمنعها من استخدام الفيتو امام اي تدخل أممي يوقف حالات القتل العشوائية* ، والتصفيات العرقية التي سوف تؤول اليها الحرب ، كحالة انتقامية حيوانية ..

واليوم امريكا تمارس نفس الاسلوب ، فهي *الفاعل الخفي الرئيسي* في هذه الحرب ، وهي التي تديرها عبر *واجهتها دولة الامارات* ، التي تظهر وتتصدر المشهد كفاعل حقيقي ، بينما هي في *جوهرها عبارة عن دولة وظيفية*، قوادة ، تقوم بدور *متعهد الحروب والقتل* ، مع دور، الحانوتي* في ذات الوقت ، وذلك *بحملها وغسلها لكل وزر امريكي ، وطمرها لكل اثر صهيوني* في المشهد الكولاجي او السريالي الذي يشكل اللوحة السودانية  …

ان امريكا اخترعت الرباعية *ليس من اجل الوصول الي حل* ، ولكن من اجل *احتكار الحل ووقته ، بل ومصادرة المشهد باكمله* ، وتوجيهه حيث تربد ، لأنها لو أرادت حله لفعلت ذلك منذ ايام الحرب الأولى ، فالرباعية ما هي الا *خزانة استعملتها امريكا لحبس وتخزين الصراع* السوداني ، وإبقائه تحت رعايتها ، حتي يحين وقته ..

وقد صُممت اساساً ، *لآعتقال الدور المصري وتحجيمه* ، وتضييق مساحة تحركه الا *ضمن الإطار الامريكي* المحسوب جيداً ، اضافة الي تغييب الدور العربي والاسلامي *بتقزيم الدور السعودي والذي يمثل الصوتين العربي والاسلامي* ، فإن علا صوتها وتعاظمت جهودها ، فقد علا صوتهما وارتفع ، وإن انخفض صوتها وخبأ ، فقد انخفض صوتهما وخبأ ، لهذا ونتيجة لحبسها ضمن إطار الرباعية ، تعثرت جهودها *ووقفت عند محطة مفاوضات جدة* ، وصُودر دورها لصالح المشروع الامريكي ..

والرباعية عمدت إلي *خلق واقع جديد يساوي بين طرفي الحرب ، ويشرعن المليشيا بصورة سلسة* ، عبر إعطائها مشروعية قانونية ، *وتأطيرها سياسياَ عبر خلق حاضنة سياسية* وهي *مجموعة تأسيس ، التي ولدت تحت الرعاية الامريكية* عبر وكيلها الاماراتي ، الامر الذي يعني *التحكم فيها بالكامل* ، خاصة اذا آلت الامور الي *بروز دولة مستقلة في دارفور*…

لهذا عمدت الخطة الأمريكية الي تقسيم الفاعلين السياسيين الي *مجموعة تأسيس ، وهذه صممت لدولة دارفور* ، ومجموعة *القوي الاسلامية والمجموعات المرتبطة بها* ، وهذه سوف يتم *ضربها وإقصائها* بالكامل ، او إضعافها والتحكم المدروس بها ، واخيرا *قوي صمود ، وهذه التي سوف تقود دولة ما بعد الحرب في الخرطوم ، وفقاً لبرنامج يتماهي ويحفظ مصالح امريكا في المنطقة* ..

اما وجود الامارات في الرباعية ، فهو *خيار امريكي مفروض لتحجيم دور مصر والضغط عليها بواسطة ابو ظبي بوصفها اكبر المستثمرين فيها* ، وفرض الاجندة الامريكية من خلالها ، وكل هذا له إرتباط مباشر بجهود *إعادة ترتيب المنطقة* ، وهندستها بما يخدم مصالح امريكا ..

فمشروع الشرق الاوسط الكبير ، والذي يقوم علي تحويل المنطقة من *منطقة إشعاع روحي ، الي سوق وماخور إباحي* ، تتسيده إسرائيل في مزج بين *اللاهوت والسياسة* ، وهو ما كشف عنه *(إستعجالاً) الرئيس ترامب ، عند حديثه عن مشروع ريفيرا غزة*  ..

ولان المشروع يقوم على *حوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية* ، يجب ان تتماشي مع فكر الليبرالية الجديدة في المجال الاقتصادي والاجتماعي ، اي *التبعية للغرب ، وبصورة ادق تغريب الشرق* ، فإن تنفيذه يستلزم القضاء علي اكبر عقباته ، وهو *الاسلام السياسي في صورتيه السنية والشيعية* ، وهو ما رأيناه من *حروب امريكا الاخيرة* ، التي نفذتها إسرائيل وكالة عنها ، ضد *الاسلام السني* ممثلاً في *حماس* ، وفي اسقاط الاسد *وتدجين الاسلاميين* في سوريا ، *وضرب الاسلام السياسي الشيعي* في ايران (بتدخل امريكي مباشر) وفي لبنان ضد *حزب الله* ، وفي اليمن ضد جماعة *أنصار الله الحوثية* ، إضافة الي حل *جماعة الإخوان* في مصر والاردن ، وتونس ، ولم يتبق لهم غير القضاء علي تنظيم *الاسلام السياسي في السودان* ، وهو اخطرها ، *لعِظم التجربة* التي إكتسبها منتسبوه خلال حكمهم للبلاد لأكثر من ثلاثين عاماً ، ويستلزم هذا ليس *القضاء على الإسلاميين كتنظيم وحده* ، وانما *اجتثاثه وجودياً بقاعدته وحاضنته الشعبية المتمثلة في سكان الوسط والشمال* ، لهذا فالحرب إحدي هذه *المعاول* المستخدمة لإنجاز هذا الامر ..

وطيلة الفترة الماضية ، *ابعدت امريكا اي جهة حاولت التدخل للوصول إلى حل للصراع* ، بعد ان إحتكرت ادواته وادارته سراً ، وظلت تماطل فيه ، واستصحبت معها ثلاث دول ، (شنطة راكب) كلازمة ديكورية ، كما ذكرت ، وعمدت علي بث المشاكل داخل الرباعية ، *لتتباين مواقفها* ، وتجعل من الحل امراً بعيد المنال ، واستخدمت الامارات دولتها الوظيفية للقيام بهذ الامر ..

وسوف تستخدم امربكا *الدعم السريع الي اقصي حد* ، وستقدم له كل دعم مطلوب ،وتعطي *قواته الضوء الاخضر لارتكاب الفظائع لاقصي حد ، لانه يتماشي مع خطتها* ، مع غض الطرف عن تجاوزاته ، *وتقديم الحماية لقياداته مؤقتاً امام مؤسسات العدالة الدولية* ، الامر الذي سيغريهم بارتكاب مزيد من الجرائم والانتهاكات ، لهذا فالسودان موعود في الاسابيع القادمة *بفترة حرجة قاتمة، ، سوف يكثر فيها، الهرج والمرج والقتل العِرقي المجاني ، والتصفيات الميدانية* ، وسوف يجول ويصول فيها الدعم مُحدثاً دماراً وفساداً لا مثيل له ، فسوف يدمرون ويحرقون وينهبون ، وسيصل اذاهم حتي شرق السودان ، ولكنهم *سيخسرون في النهاية* ، وفي لحظة معبنة ، وعندما تكتمل *الطبخة الأمريكية* ، وتبدأ الولايات المتحدة في تحقيق اهدافها وجني ثمارها ، سوف ، *تتخلي عنهم ، وتنقلب عليهم ، وتطارد قادته دولياً ، وربما تتم تصفيتهم* ، فمسرح الجريمة يجب ان يكون *(صفر شاهد)* …

وهذا الامر سوف تشارك فيه مجموعات ارتزاقية من دول اخري ، وعلي رأسها دول جنوب السودان وليبيا وتشاد واوغندا ، وربما نشهد غداً مرتزقة من امريكا الجنوبية وأوروبا واسيا ، *فمالك الحرب* وسيدها ، دائما علي *استعداد للدفع* ، ولديه ميزانية مفتوحة لذاك ، *فإمكانيات السودان وموارده*، يسيل لها لعاب *بيوتات المال العالمية ومراكزه الخفية* ..

ان *امريكا تخطط لجعل السودان يغلي على نار الحرب الاهلية العرقية*  ، مما يوفر لها *المنطلق الاخلاقي* (كما تدعيه) لاقناع *الداخل الامريكي بالتدخل فيه منفردة* ، او ضمن *تشكيل أممي هي قائدته* ، بدعاوي *انسانية لانقاذ الابرياء* من حالة القتل المجاني التي سوف تطال الجميع ..

وتنزيلاً لهذا الامر علي ارض الواقع ، بعد إكمال مشاهده الاولي ، بدات امريكا بواسطة دعمها الكبير لمليشيا الجنجويد العربية في تنفيذ مشهده الاخير ، عبر *جعل الحرب تبدو كانها تمرد قبلي عرقي ضد الدولة المركزية* من جهة ، *وكمهدد حقيقي لقبائل الزرقة* من جانب اخر ، وفي الاشهر القادمة التي سوف تسبق السلام حسب قراءتي ، سيتضح اي *طريق سوف تسلكه امريكا لتنفيذ مخططها* هذا ، وذلك ضمن خيارات عديدة تملكها ، قد تشمل الاتي ..

… *تنفيذ انقلاب عسكري ضد البرهان ، عبر شخصية عسكرية متحررة من نفوذ الإسلاميين* قادرة علي تنفيذ المخطط الامريكي ، وسوف يتم دعمها ، ومن ثم تثبيتها ، إما عبر الوصول الي *اتفاق سلام* مع الطرف الاخر (ولكنه امر بعيد المنال) ، أو عبر *دعم عسكري مباشر للقضاء التام علي الدعم السريع* ، وما تبقي من اسلاميين ، واقول ما تبقي منهم ، لان امريكا سوف *تمهد للدعم السريع علي ارتكاب مجازر عرقية* لا تطال الاسلاميين وحدهم ، ولكن *تطال حواضنهم الاجتماعية*، وهنا تحديداً اشير الي مناطق *الوسط والشمال* ، وهذا الامر يحقق لها هدفين ، *القضاء علي الاسلاميين في الجيش ومن ثم تعيين حكومة مدنية* تعمل علي تنفيذ مصالحهم ، وثانياً *القضاء على الدعم السريع بوصفه حملاً زائداً ، وعبئاً اخلاقيا ، ودليلاً جنائياً* يجب التخلص منه …

… دعم وتبني *التدخل الاممي عبر الامم المتحدة* ، معتمدة علي المآسي التي سوف تشهدها البلاد خلال الفترة القادمة ، واذا فشلت في تمرير *مشروعها عبر مجلس الامن* ، فسوف تستنفر *مجلس الامن والسلم الافريقي* ، بحجة ان *الصراع زيادة علي مآسيه الداخلية* ، فقد صار *مهدداَ للامن والسلم الاقليمي والدولي* ، وسوف يتم التدخل عبر انتداب *قوات هجين عربية افريقية بقيادة أمريكية* ، وكل الامور لهذا الخيار مرتبة بالكامل ، اذ توجد هذه *القوات اليوم في دولة جيبوتي* ، وتتوزع غرف سيطرتها ما بين تشاد وجنوب ليبيا ودولة جنوب السودان ..

وإذا تم التدخل الاممي في السودان ، فسوف ينتج عنه *حل الجيش والدعم السريع ، والتشكيلات العسكرية الاخري ، بما فيها حركات الكفاح المسلح* ، وتعيين *حكومة مدنية* تكون موالية تماماً لامريكا ، هذا في حالة *سيناريو الدولة الواحدة* ..

وما ذكرته اعلاه هو احد المشاهد المتوقعة والتي يجب اخذها في الحسبان لدي الجميع ، ولكن يظل السؤال الاهم كيف يمكن *تجنب الحرب الاهلية العرقية الشاملة التي تلوح في الافق* ، بعد ان تيقن للجميع ان ما يحدث اليوم في الداخل السوداني هو *نتاج تدخل خارجي* في جزء كبير منه ، الامر الذي يستدعي مراجعة شاملة للواقع الحالي *ومآلات المستقبل ، ومخاطر التقسيم* ، وخيارات الحكم ..

سوف *تدفع امريكا بخيار تصعيد الحرب الاهلية العرقية* ، والتي سوف تستخدم فيها *القبائل العرببة في دارفور وكردفان كوقود مُستلك ، وقوة رافعة* ، وسوف تشجع خِفية المجازر واعمال القتل الوحشية بين الطرفين ، وسوف تسوقها اعلاميا *لايجاد المبرر الاخلاقي والانساني لاتخاذ خطوتها الأخيرة ، والتمكن عسكريا* في السودان ، او *فرض الوصاية* عليه ، او *التحكم فيه عبر حكومة تابعة لها* ، وان سارت الامور علي عكس ما تتوقع وتخطط ، فسوف *تلجأ الي الخطة ب* وهي البدء في *إجراءات التقسيم* ، والتي سوف تكون *اكثر الحلول مقبولية من الجميع* ، ولكن المشكلة الكبري سوف تكون في *تبعية كردفان ، ولاي جهة ، للدولة الوليدة ، ام دولة ٥٦ ..*

وهذا الامر سوف يلحق به *ضمان استقلال دولتي الجبال والانقسنا* ، وهو السبب الرئيسي *لترتيبات إلحاق الحلو بمجموعة تأسيس* ، ودعم تمرد *ابناء النيل الازرق* ِ..

*حيدر التوم خليفة*
٢٨ اكتوبر ٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole