*أولاد قمري… حين تصنع الدولة بيديها وحشًا جديدًا وتنتظر أن يرحمها*

السودان اليوم ليس بحاجة إلى محلل، ولا خبير، ولا لجنة تحقيق.
السودان بحاجة إلى مرآة حقيقية تُرفع أمام وجه الدولة، لتراها كما هي:
**دولة تعيد إنتاج جرائمها بدم بارد، وتخلق وحوشًا جديدة كلما تعب الوحش القديم، وكأن الخراب هواية رسمية.**

من الذي سلّح؟ من الذي سلّم العربات؟ من الذي فتح المخازن؟ من الذي أطلق هذا البلاء؟

أسئلة تحرق الرأس، وتلسع الضمير، وتفضح الجميع:

من سلّح مليشيا أولاد قمري؟
من أين لهم سيارات الدفع الرباعي؟
من أين لهم الذخيرة؟
من أين لهم الجرأة ليقفوا أمام الجيش ويقولوا: لن ننسحب؟
من منحهم الضوء الأخضر للانتشار؟
من منحهم الشرعية؟
من أوحى لهم بأنهم أقوى من القانون؟
وأهم سؤال:
لماذا لا يزال السودان يدفع ثمن أخطاء الدولة… والدولة تصر على أن تخطئ من جديد؟

المشهد واضح… من لا يراه هو شريك في الفوضى

لا يمكن لدولة محترمة أن تستيقظ فجأة لتجد عشرات الارتكازات في الولايات دون أن تعرف من أين جاءت.
لا يمكن لسلطة مسؤولة أن ترى شبابًا يطلقون النار على المواطنين في “أم جر” وتتعامل مع الأمر وكأنه حادث سير.

ولا يمكن بأي شكل أن تظهر مليشيا جديدة وتشتبك مع الجيش في دنقلا، ثم لا يصدر صوت رسمي واحد يقول: من أين لكم السلاح؟

الصمت ليس براءة…
الصمت مشاركة…
الصمت غطاء…
الصمت تواطؤ كامل.
أولاد قمري… نسخة أخرى من أولاد دقلو… بنفس الحماقة ونفس الخطأ ونفس النهاية

حين نقول إن التاريخ يعيد نفسه، فهذه ليست جملة شعرية.
هذه حقيقة تُكتب بالرصاص:

أولاد دقلو بدأوا مستنفرين للبشير … ثم صاروا قوة…
ثم صاروا مليشيا…
ثم صاروا دولة داخل الدولة…
ثم صاروا وحشًا لا أحد يستطيع ترويضه…
ثم أكلوا السودان.

والسؤال:
ألا يكفي هذا الخراب درسًا؟

لكن يبدو أن الدولة لا تتعلم…
ويبدو أن بعض الأجهزة الأمنية تريد أن تعيد الفيلم نفسه، بنفس الإخراج، وبنفس الكارثة.

الدولة التي فقدت الثقة في هيئة العمليات… تبحث عن “أولاد دقلو جدد”؟

حين فقدت الدولة الثقة في هيئة العمليات – تلك التي أمسكت بيدها وأنجبت حميدتي – ظن الناس أن السلطة فهمت الدرس.

لكن ما نراه اليوم يجعلنا نتساءل بمرارة:
لماذا تأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية على الجميع القوات التي تساند الجيش في العمليات خاصة اطراف سلام جوبا ؟
هل جُمعت أسلحة كل الفصائل ؟
هل الدولة لا تزال مقتنعة أن الحل في تربية مليشياكلما شعرت بالخوف؟

إن كان الأمر كذلك… فلتستعد الدولة لتفريخ حميدتي جديد… بل عشرة من ال دقلو

الارتكازات… من مسؤول؟

قانونيًا… وعسكريًا… ومهنيًا…
الارتكازات ليست مهمة المستنفرين.
ليست مهمة الشباب الذين تعلموا إطلاق النار قبل أن يتعلموا قراءة القانون.
ليست مهمة من جاءوا من الحواكير والبوادي ليصبحوا فجأة “أمنًا”.

الارتكازات مسؤولية الاستخبارات العسكرية والشرطة العسكرية
هذه هي الجهات الوحيدة التي يجب أن تشرف عليها… تقودها… تراجعها… تراقبها… تحاسبها.

لكن اليوم؟
اليوم نرى ارتكازات لا تخضع للاستخبارات…
ولا للشرطة…
ولا للجيش…
ولا لأي جهة قانونية.

ارتكازات محمية من خلف الستار…
يحرسها جهاز كان قبل سنوات يزرع حميدتي قطعة قطعة… واليوم يعيد قصته من جديد.

المستنفرون الذين كبروا… حتى تمرّدوا

الشاب الذي كان يقف في نقطة تفتيش صار اليوم صاحب قرار.
الشخص الذي كان يؤمر… أصبح يرفض تنفيذ الأوامر.
المجموعة التي كانت “مع الدولة… أصبحت تقف أمام الجيش في الشارع وتقول: ما بننسحب

وهنا لحظة الخطر:

أي جماعة مسلحة ترفض الانسحاب حين يأمرها الجيش…
هي مليشيا.
ولو لبست ألف شعار.
ولو غطتها ألف جهة.
دنقلا لم تكن حادثة… دنقلا كانت تحذيرًا

عندما يختلف الجيش مع مليشيا أولاد قمري، فليس الخلاف على قطعة أرض أو نقطة ارتكاز.
الخلاف على سيادة الدولة
الخلاف على من يحكم الشارع
الخلاف على من يحق له فرض القانون
الخلاف على سؤال خطير:
من الأقوى؟

وللأسف…
بعض الجهات تحاول أن تجعل الإجابة هي: “ليس الجيش”.

هذه ليست تفلتات… هذه بداية مشروع دم

حين ينتشر السلاح بلا رقابة…
حين تنتشر سيارات الدفع الرباعي بلا محاسبة…
حين ينتشر شباب لم يمروا بمدرسة عسكرية حقيقية…
حين تنتشر ارتكازات بلا هوية…

فهذا ليس أمنًا.
هذا مشروع حرب
مشروع مليشيا.
مشروع انهيار جديد.

السودان ليس حقل تجارب… ولن يكون

يكفي.
يكفي عبث.
يكفي تصنيع مليشيات.
يكفي تربية أطفال على السلاح.
يكفي تحويل الولايات إلى مزارع خوف.
يكفي تكرار غباء 2013 و2017 و2019.
يكفي أن يصبح الشعب مجرد وقود في معركة لا تعنيه.

السودان ليس حقل تجارب لجهاز أمن يريد اكتشاف “نسخة محسّنة من الجنجويد
السودان بلد محترق…
وكل خطأ إضافي هو حطب إضافي في جحيم مفتوح.

إن لم يحدث جمع سلاح شامل الآن…

فاعتبروا ما يحدث اليوم مجرد افتتاحية لنسخة جديدة من الخراب.

أولاد قمري ليسوا مجرد مجموعة مسلحة.
هم جرس إنذار
جرس يقول للدولة:
لقد أخطأتم من جديد…
وبدأ الخطأ يكبر…
وسيصير وحشًا…
وستركضون خلفه بعد سنوات…
وتقولون: لم نكن نعرف”.
طالما أن الجيش يحكم هذه البلاد، فاستعدوا لأسوأ سيناريو يمكن تخيّله. لأن السودان، منذ أن فقد جيشه بوصلته، أصبح بلدًا تحكمه المليشيات من الخلف والجيش من الأمام… وأي زاوية تلتفت إليها تجد مليشيا، وفي كل منعطف مليشيا، وفي كل حلة مليشيا.

هذه ليست صدفة…
هذه ليست ظروف حرب…
هذه نتيجة مباشرة لسياسات جيش قرّر أن يتدخل في كل شيء إلا ما خُلق لأجله.

جيش ترك مهمته الأساسية:
حماية الحدود، حماية الشعب، حماية الدولة…

وانشغل بما لا يعنيه:
السياسة، الصفقات، التدخلات، التحالفات، إدارة المدنيين، هندسة الحكومات، صناعة المليشيات، وإدارة البلاد بعقلية معسكر لا دولة.

ولذلك اختلط كل شيء في السودان:
اختلط القانون بالسلاح…
اختلط الأمن بالفوضى…
اختلط الجيش بالمليشيا…
واختلطت الدولة نفسها بتشكيلات خلقها الجيش ثم فقد السيطرة عليها.

الجيش هو من فتح الباب للمليشيات…
الجيش هو من شرعنها…
الجيش هو من سلّحها…
الجيش هو من سمح لها بالتكاثر…
والجيش هو من ترك اختصاصه ليتحول الوطن كله إلى سوق سلاح مفتوح.

وما لم يعد الجيش إلى حجمه الطبيعي ودوره الطبيعي ومكانه الطبيعي…
وما لم يُرفع يده عن السياسة…
وما لم يُنزع السلاح من كل يد خارجة…

فإن السودان سيواصل السير في الانحدار ذاته:
دولة في كل شارعها نقطة تفتيش…
وفي كل قريه قائد مليشيا…
وفي كل مدينة حاكم غير شرعي…
وفي كل منعطف كارثة تنتظر ساعة الاشتعال

مقالات ذات صلة

Optimized by Optimole