*رحيل عوض الكريم ربيع ، مصاب جلل و فقدٌ عظيم لا يعوض ، وذكريات تخلد في القلوب* ✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*

جاء عند ابو حيان التوحيدي أن أفضل كلمة قالتها العرب أن فقد الاحبة غربة ، و ذلك يشير إلى أن فقد العزير يعمق الإحساس بالغربة ، و هذا التعبير يجسد حجم الإحساس بالألم الذي يشعر به الإنسان عند فقد الأحبة ، مما يترك في النفس حسرةً ، و هذا الشعور مؤلماً ، فيكون من الصعب توصيل معانيه الحقيقية للطرف الآخر ، فهو أقرب إلى الإحساس كما لو أن جزءاً من الذات قد ضاع ، و هذا يشير إلى أن الفقد يتجاوز الحزن المجرد ليصبح حالة من العزلة الداخلية ، حيث يشعر الإنسان بأنه غريب حتى و لو في المكان الذي يعرفه ، فمنذ أيام خوالي ، نجد أن أمكنة الأخ عوض فارغةً على الرغم من وجود الناس فيه .

الموت هو أكثر أنواع الفراق قسوة وألماً ، لأنه يأتي فجأة ويفصل بين الأحبة دون أن يكون هناك فرصة للوداع ، و خصوصاً في حالة عوض الكريم ، الذي سحب نفسه من المشهد بهدوء تام ، فسجل حالة غياب دائم لا يمكن التراجع عنه ، إنه الفراق القسري ، و هو أحد أصعب المحطات التي يمكن أن يمر بها الإنسان خلال رحلة الحياة القصيرة ، فهو ليس مجرد ابتعاد جسدي ، بل هو تسجيل حالة غياب تامة خلفت وراءها فراغاً عميقاً لا يمكن تعويضه .

رحيل الأخ عوض الكريم ترك في قلوبنا حفرة سوداء عميقة لا يسدّها الزمن ، فقد غادرنا بصمت شديد ، و كأنما كان يعرف أن الكلمات لا تستطيع أن تحمل حجم الفقد الذي سيخلفه رحيله فينا ، تركنا و نحن نبحث عن أثره في كل زاوية من زوايا الحياة و الأمكنة التي له أثر فيها ، و لم نجد إلا ذكرياته الطيبة التي تئن في صدورنا ، فلم يمهلنا القدر بريهة من الزمان لوداعه ، و لم نكن مستعدين لفراق من كان بيننا مصدراً للنبل والإنسانية و الرجولة و قوة الشخصية ، فلقد كان الفقد مفاجئاً و لكن الذاكرة تحملنا على أجنحة الحنين ، لنعيش على آلم الفراق و نحيب الرفاق ، و تظل الآهات مدفونة في صدورنا لنبكي عوض الكريم ربيع ود (الأضية) كما يحب أن يناديه رفاقه بدموع سخينة ، و تملأ قلوبنا حسرات دفينة ، و لكن رغم الألم ، فإن روحه ستظل بيننا ، تستمر في إشعال الأمل فينا ، كما كانت دائماً تمدنا و تعطينا .

وداعا ، أخي عوض الكريم ، الذي لم يكن مجرد اسم ، بل كان رمزاً لنبيل القيم و عوالي الأخلاق ، و روح الإنسانية. رغم أننا لن نراكم بعد اليوم بأعيننا ، و لكن ستظل حياً في قلوبنا وذكرياتنا ، نودعك بدموع غزيرة ، و نحن على ثقة في الله أن مكانك في الجنة سيكون أوسع وأرحب مما كان ، حيث لا ألم و لا فراق ، نسأل الله أن يكرمك بفسحة من نور و راحة أبدية في جنات الخلد ، سترحل عنا جسداً و لكن روحيك ستظل محمولة في دعواتنا ، حية في كل لحظة تمر بنا إن شاء الله .

ختاماً ، أسأل الله أن يرحمك برحمته التي وسعت كل شيء ، وأن يجعل منزلتك في الجنة ، و ان يسكنك فسيح جناته ، حيث لا ألم و لا فراق ، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ، واغسله من ذنوبه بالماء والثلج والبرد ، و نسأله سبحانه أن يلهمنا الصبر والسلوان ، وأن يثبّت قلوبنا في مواجهة هذا المصاب الجلل. لقد رحل عنا ، و لكن ذكراه ستظل حية فينا، تدفعنا للاستمرار على نهجه الطيب و القويم .

أحر التعازي إلى الأخ والي الولاية الشمالية ، ولأعضاء حكومته ، و للجنة الأمنية ، و لزملائه ، وأصدقائه ، و لكل من يعرف فضله ومكانته ، كما أتقدم بأصدق التعازي إلى أسرته المكلومة ، وأسأل الله العلي القدير أن يثبت قلوبهم ويرزقهم الصبر والسلوان في مصابهم الجلل. اللهم اجعل هذا الفقد في ميزان حسناته ، واغفر له ، واجعل الجنة داره و إنا لله و إليه راجعون و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .

مقالات ذات صلة