لوقف الحرب، فعلى السودانيين، قبل غيرهم، تقديم التضحيات والحلول المبتكرة التي تتجلى فيها تغليب المصالح الوطنية على الصراعات الشخصية. بخلاف ذلك، فسيجدوا الحرب في بلادهم تتمدد كحرب فلسطين ولبنان والصومال وسوريا وليبيا واليمن. صحيح أن كل الشواهد تشير إلى أن هذه الحرب بصدد أن تتخذ شكلاً أو مرحلة جديدة. بالعدم فإن عدم انتهاز الفرصة سيجعل معظم الجهات التي شاركت فيها، شيئاً فشيئاً، تسعى إلى ان تتوارى وتغسل يدها لتختفى عن المشهد.
المعلوم، أن أضلاع هذه الحرب لم تكن تريدها أن تتجاوز التغيير المحدود على مستوى كابينة القيادة إلا أن الأمور فلتت وخرجت عن السيطرة لتصبح، بين عشية وضحاها، حرب مفتوحة تقتل وتشرد وتنهب وتجرد شعب كامل من أمواله ومدخراته. الفاعلون سواء أكانوا بالأصالة أو الوكالة، ولحاجة في أنفسهم أو لقلة تجربتهم، لم يحسنوا الاختيار أو حتى التحضير، فأوردوا الشعب المسكين موارد الهلاك.
عامان كاملان هي أقل آجال الحروب، وحرب السودان التي توقع لها البعض أن تنتهي في ساعات أو أيام معدودات تمددت يوماً بعد يوم لتصبح بلا ملامح لنهايات معلومة. هذه الحرب إن لم يتم لملمتها ستكون فلسطين أفريقيا، فتلقي بظلالها من أقصى الغرب الأفريقي والمحيط الأطلسي إلى تخوم إيران شرقاً، ومن حدود البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى أقصى القارة السوداء جنوباً.
ما أبرزته هذه الحرب من دروس وعبر أو بالأحرى تقاطعات في المصالح لا يبدو أن كثير من اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، حتى اللحظة، قد وعوها. فعلى الصعيد المحلي ما زالت المشاحنات والمخاشنات والتكتلات التي سبقت الحرب هي ذاتها المسيطرة على المشهد سواء من حيث الوجوه أو حتى المصطلحات المستخدمة. على الصعيدين الإقليمي والدولي، وحتى اللحظة، لم يدرك الفاعلون أن من يظهرون لهم في الواجهة لا يمثلون إلا مجموعة محدودة في العدد والعتاد. حتى بعد الحرب، استمر إصرار المجتمعين الإقليمي والدولي في التمسك على الشريك الخطأ الأمر الذي زاد من مساحات الشقة وعدم الثقة بين الشعب وكل أضلاع الحرب بمن فيهم المحليين والإقليميين والدوليين. لتصل هذه الحرب لنهايات قريبة فلابد من تغييرات جوهرية في الوجوه الإقليمية والدولية فضلاً عن طريقة التعاطي الموضوعي مع الأزمة بوجوه محلية جديدة تمثل الغالبية الصامتة. هذه الوجوه المفتاحية مطلوب منها، وبأعجل ما يمكن، التصدى لما تبقى من المشهد قبل أن تطال الحرب جميع المنطقة.
عبد العظيم حسن
المحامي الخرطوم
19 يوليو 2024