وقعت محاولة اغتيال للرئيس البرهان امس الاربعاء ٣١ يوليو بمعهد المشاة في منطقة جبيت بشرق السودان.
هذه هي المحاولة الثانية لاغتيال الرئيس فالاولى كانت بهجوم ضاري بقوة ضاربة من التاتشرات يوم ١٥ ابريل العام الماضي على بيت الضيافة في القيادة العامة افشلتها بسالة وشجاعة الحرس الرئاسي.
محاولة الاربعاء بطائرتين مسيرتين تأتى بعد عام ونيف من المحاولة الاولى بعد ان جرت مياه كثيرة تحت الجسر حيث اتخذ الرئيس من مدينة بورتسودان عاصمة للدولة، كما تغير واقع العمليات الحربية على الارض وقضى الجيش على القوة الصلبة للمليشيا التى انحصرت هجماتها على مهاجمة المدنيين في القري النائية وتوقفت هجماتها على مواقع الجيش وتحولت بالكامل الى مجموعة من النهابين واللصوص.
محاولة اغتيال رئيس الدولة – اى دولة- ليس بالعمل العشوائي و له تأثيرات بعيدة المدى وتداعيات خطيرة على الداخل وعلى الاقليم، ولذلك الراجح عندي ان المليشيا عملت بناء على ضوء اخضر من حكومات نافذة لها مصلحة حقيقية في غياب رئيس الدولة. استبعد جدا ان تقدم المليشيا على محاولة الاغتيال الثانية بمبادرة منها، فقد كانت الاولى بترتيب وتنسيق كاملين من داعميها. اقول ذلك لقناعتي مثل كثيرين ان هذه الحرب ليست حرب المليشيا وهي اداة فقط تديرها اجهزة مخابرات لدول عديدة تسعي لاعادة استعمار بلادنا بتنصيب عملائها في (تقدم) كواجهة ضرورية ينفذون من خلالها استراتيجيتهم.
قناعتى الاخري تقول ان مقترح مؤتمر جنيف كان الغرض منه شغل الناس و التغطية على المحاولة واستبعاد الشكوك حول داعمي محاولة الاغتيال. المؤسف ان كثيرين صدقوا فرية المؤتمر بينما ان الهدف الاساسي له هو توفير غطاء ومبرر سياسي جيد لداعمى المليشيا وابعاد الشكوك حول نواياهم بعد نجاح المحاولة. سيستبعد الكثيرون تورطهم بحجة انهم كانوا يعملون على تنظيم مؤتمر للسلام، ولذلك من المستبعد تورطهم في المحاولة.
التجوال الطويل والتنقل المتواصل للمبعوث الامريكي في عواصم الدول الداعمة للمليشيا امر يثير الشكوك حول ما جرى الترتيب له. يضاف لهذا المحاولات المتكررة لرئيس دولة الامارات للتواصل مع الرئيس، وهذه ايضا يمكن اخذها كجزء من التغطية لهذه العملية الاجرامية. فما قاله الرئيس برهان لرئيس دولة الامارات عن تورط دولته في الحرب كاف جدا لقطع امله في حل وسط يحفظ له ماء وجه دولته. وارجح ان الضوء الاخضر لمحاولة الاغتيال صدر بعد تلك المكالمة.
من وقائع التاريخ نعلم ان الغدر والتضليل يشكلان مكونا اساسيا في طريقة عمل الاستخبارات الغربية، نعلم ايضا ان للمخابرات الامريكية تاريخ حافل باغتيال رؤساء الدول، بعضها نجح واكثرها فشل.
الموقف القوى والالتزام الصارم الذى اتخذه الرئيس البرهان بضرورة تنفيذ اتفاق جدة، لم يترك خيارا اخر لداعمى المليشيا الا التفكير في اغتياله. لقد اثبتت الوقائع ان داعمى المليشيا ليست لهم ادنى رغبة في ممارسة اى نوع من الضغوط على المليشيا لتنفيذ بنود الاتفاق. فامريكا علمت مسبقا ان المليشيا ادخلتهم في ورطة بتوقيعها على ذلك الاتفاق ولذلك عملت لعدة شهور لقتل منبر جدة واستبداله بمنبر آخر حتى يتم التنصل من مقرراته.
بهذه الخطوة خاطرت امريكا بتسفيه المملكة العربية السعودية والاستخفاف بمجهوداتها، وحملتها على القبول بتغيير موقع التفاوض بناء على رغبة الامارات التى حسب ما هو رائج عملت وتعمل لكيلا يكون للمملكة اى دور في السودان.
ليس من الواضح كيف قبلت المملكة بتهميش دورها واستبعادها، ولكن الحقيقة الواضحة ان تحويل مقر التفاوض الى دولة اخري فيه اذدراء وتسفيه وتهميش للملكة التى بذلت جهودا جبارة حتى تم التوصل لاتفاق جدة. ليس من الواضح ايضا ما هو الدور الذي يمكن ان تلعبه المملكة في مفاوضات خارج اراضيها.
فشل محاولة اغتيال الرئيس اعادت داعمى المليشيا للمربع الاول. فقد كشف صمتهم عن ادانة محاولة الاغتيال عن الوجوم والصدمة التى اصابتهم. الراجح ان مفاوضات جنيف كانت ستلغي في حال نجحت محاولة الاغتيال، وسيكون موقفهم انه لا داع لها بعد ازالة العقبة الكؤود. الراجح ايضا انهم متفقين على ترتيبات الفترة التى تلى الاغتيال وبما يتبعه من هزة نفسية للجيش وللمواطنين، وما التواجود الطويل للمبعوث في الاقليم الا ليكون قريبا من الاحداث ليشرف على التداعيات والتبعات بنفسه لضمان تنفيذ المؤامرة على اكمل وجه.
نعلم من التاريخ ايضا ان خطط المتآمرين يتم اعدادها مسبقا وتقسم الادوار ويتم تحديد البدائل المتفق عليها لملء الفراغ الذي سينشأ.
الآن وقد فشلت المحاولة اعتقد ان مفاوضات جنيف اصبحت تحصيل حاصل، فقد كان الغرض منها توفير الغطاء لمحاولة الاغتيال، و بعد فشلها لم يعد للمفاوضات مبرر ولا معني، بل الراجح ان يتم تاجيلها او التنصل منها بصور ومبررات شتي!
هذه الارض لنا