*اعادة البوصلة لأس المشكل* علي عسكوري ٢٨ يناير ٢٠٢٤*

 

في ١٥ ابريل الماضي اندلعت مواجهات دامية بين مليشيا الدعم السريع وبين القوات المسلحة السودانية في العاصمة الخرطوم.

جاءت هذه المواجهات – المستمرة حتى الان والتى توسعت الى عدد من الولايات – نتيجة لانسداد الافق السياسي وفشل القوى السياسية على التوافق على الحد الادنى الذى يمكن من ادارة الفترة الانتقالية، بعد ان حاولت جماعة المجلس المركزى ليس فقط الاستيلاء على كامل السلطة السياديةو التنفيذية من خلال سىء الذكر الاتفاق الاطارى، بل استبدال الجيش القومى بجيش يتبع لاسرة آل دقلو كما نص على ذلك الاتفاق!
تقودنا الاوضاع الحالية لطرح اسئلة جوهرية تتعلق بكنه القضايا التى تختلف عليها القوى السياسية، اذ بدون اتفاق القوى السياسية يصعب توقع وقف الحرب او استقرار البلاد.

دعنا ولفائدة التركيز على القضية التى نود نقاشها في المقال ان نترك الجيش والمليشيا جانبا و نركز على نظرة القوى السياسية للفترة الانتقالية منذ سقوط نظام البشير.

من واقع التجربة يتضح ان هنالك اختلاف جوهري في نظرة القوى السياسية حول ما المطلوب من الفترة الانتقالية وطبيعتها والمهام التى يجب ان تنجز فيها.
هنالك بصورة عامة ثلاثة مجموعات تتصارع حول ما المطلوب فعله في الفترة الانتقالية. نناقش مواقف هذه المجموعات في المقال.

اولي هذه المجموعات هي جماعة المجلس المركزى التى ترى ان الفترة الانتقالية يجب ان تكون نقطة انطلاق لتكوين دولة جديدة تماما مختلفة عن دولة الاسلاميين وانهم وحدهم لهم الحق في فعل ذلك فهم كما يزعمون (قادة) الثورة وقادة الجماهير التى اسقطت نظام البشير او كما اسمو انفسهم (قوى الثورة). أكثر من ذلك يعتقدون ان لهم تفويض جماهيري كامل لتنفيذ اجندتهم (رغم ضبابيتها)، وان ليس من حق احد (اسلامى او غيره) الاعتراض على ما يودون فعله، و من يفعل ذلك صنفوه اما اسلامى او فلول (دون ان يقدموا تعريفا واضحا ماذا يقصدون بالإسلامى او بالفلول) خاصة وان في صفهم ما يكفي من (الصنفين)!

المجموعة الثانية هى القوى التى اسمت نفسها ” قوى التغيير الجذري” و تشمل الحزب الشيوعي وبعض المجموعات الشبابية من لجان المقاومة.
تتفق هذه المجموعة مع جماعة المركزى في ان الفترة الانتقالية يجب ان تكون لبناء دولة مغايرة لدولة الاسلاميين، ولكنها خلافا لجماعة المركزى ، تطرح دولة اشتراكية كاملة الدسم تقوم على محاربة القطاع الخاص مع كامل ملكية الدولة للموارد و آليات الانتاج المختلفة.

تنظر هذه المجموعة لجماعة المركزى على انهم عملاء للامبريالية العالمية التى تسرق موارد الشعوب وتستغلها. ورغم انها تتفق معهم في موقفهم من الاسلاميين وضرورة دحرهم وابعادهم وإنهاء سيطرتهم علي الدولة، الا ان مفاهيمها الاقتصادية الراسخة كقوى ضد الامبريالية تمنعها من العمل مع مجموعة المركزى. يجب أيضا التذكير بأن الحزب الشيوعي إبان عضويته في المجلس المركزى كان قد اصدر عدة بيانات اعترض فيها على السياسة الاقتصادية لحكومتي المجلس المركزى. هذا الامر – بجانب اعتراض الحزب على تماهي جماعة المركزى مع ما اسموه (العسكر)- دفعا الحزب للخروج من المجلس المركزى واتخاذ موقف المعارضه له حتى قبل اندلاع الحرب. يشار الى فشل جميع مغازلات جماعة المركزى للحزب الشيوعي للعودة لصفهم.

تجدر الاشارة الى ان هاتين المجموعتين بلا قواعد جماهيرية تمكنهم من الفوز بأى انتخابات عامة لتنفيذ برنامجيهما ولذلك تسعى المجموعتان لاستغلال الفترة الانتقالية لتنفيذ اجندتهم دون تفويض شعبي.
ز
اما المجموعة الثالثة، والتى تمثل الغالبية الكاسحة من القوى السياسية والمواطنين فموقفهم إقتصار الفترة الانتقالية – بجانب حفظ الامن وتقديم الخدمات – على اعداد البلاد للانتخابات العامة، وان تترك القضايا الاخرى المتعلقة بالتغييرات في الدولة والدستور والقوات المسلحة والاجهزة الامنية الاخري للحكومة المنتخبة. ويعتقد هولاء ان مجموعة المركزى ليس من حقها اجراء اى تعديلات في مؤسسات الدولة الحساسة، لانهم ببساطة لم يكونوا هم من صنع الثورة او قادها انما اختطفوا ثورة السودانيين وحاولوا استغلالها لاجندتهم السياسية في اقصاء الاخرين والانفراد بالسلطة لتنفيذ اجندة خارجية اعدتها ما كان يعرف بالرباعية (سفراء امريكا؛ انجلترا؛ السعودية والامارات). تتفق هذه المجموعة في نظرتها لجماعة المركزى انهم عملاء للامبريالية العالمية وجه للاستعمار الحديث. وبالرغم من اتفاقهما في هذه النقطة الحوهرية الا ان امكانية قبولهم للعمل سويا ضئيلة للغاية ان لم تكن معدومة بالنظر لتخندق القيادات في الاطروحات البائسة القديمة.
بالطبع كان لجماعة المركزى او التغيير الجذرى تنفيذ اى من برنمجيهما في حالة انهيار الجيش (يشمل الدعم السريع وقتها) والاجهزة الامنية الاخري إبان التغيير وتكوين جيش جديد خاضع بكامله لجماعة المركزى. اما وان ذلك لم يحدث فلا مندوحة من القبول بالتغيير المتدرج القائم على تفاهمات تحفظ حقوق الجميع وليس اقصاء لمجموعة. هذه حقيقة لا يجب القفز فوقها.

نخلص من كل هذا ان جوهر الخلاف ينحصر في ” مهام الفترة الانتقالية”. هذا امر بالطبع يمكن الاتفاق عليه ان صدقت النوايا وتركت بعض القوى السياسية عملية الاستهبال و (الخم) السياسي للاخرين مستقوية بدول اجنبية.

عليه فإن اى حوار بين القوى السياسية يجب ان ينصب فقط على مهام الفترة الانتقالية، هذا ان كنا ديمقراطيين فعلا لا قولا. اما القضايا الشائكة – وحتى تكون ترتيباتها ملزمة للقوى السياسية وللمواطنين – فيجب تركها لحكومة منتخبة لها تفويض شعبي واضح.

التركيز على مناقشة قضايا الفترة الانتقالية فقط وحصر الحوار فيها يقلل من التعقيدات الكثيرة المتقاطعة في الواقع السياسي والتى يصعب تناولها والاتفاق حولها كحزمة واحدة.

لكل ذلك يتوجب على جماعة المجلس المركزى ترك المماحكات والاستهبال السياسي والتوجه للجماهير وتبشيرها ببرنامجهم السياسي والدولة التى يزمعون تأسيسها. فإن كسبوا الانتخابات لن يستطيع احد (ولا حتى الاسلاميين) رفض التغييرات التى سيقومون بها. على المستى الشخصي سأكون اول المهنئين في حالة فوزهم واعتقد ان كل الديمقراطيين سيفعلون ذلك.
اما ان تتنقل بين عنتيبي ونيروبي واديس ابابا وابوظبي وتتوقع ان تحملك هذه الدول لسدة السلطة على تاتشرات الدعم السريع فذلك امر دونه خرط قتاد الشعب السوداني.
لا تحدثوا عن الديمقراطية والواقع يقول انكم اول رافضيها.

هذه الارض لنا

مقالات ذات صلة