مكالمة هاتفية عبر خدمة ( ستار لينك) جمعتني في هذه الجمعة المباركة ببعض الأصدقاء والزملاء من مدينة كادقلي حاضرة ولاية جنوب كردفان، بعد طول غياب بسبب انقطاع الاتصالات جراء تصرفٍ لا أخلاقي وهمجيٍّ مجنون، انتهجته ميليشيا الدعم السريع الإرهابية المتمردة وهي تفتح نيران حربها اللا إنسانية على المواطنين الأبرياء والعزل، بعد أن يئس هؤلاء الجنجويد الملاعين من الانتصار على القوات المسلحة، كما يئس الكفار من أصحاب القبور.
وبقـدر ما أسعدتني غيوم التواصل التي تدفقت على مسامعي فرحاً أخضرّت به دواخلي، بقـدر ما حزنت من واقع الحال الذي ترزأ تحت وطأته هذه المدينة التي تعودنا أن نراها نابضة بالحياة، ومفعمة بالتفاؤل، ومتشبثة بالأمل، رغم ضيق العيش ومعاناة الحروب التي ضربتها سنين عددا، بيد أن ما تعانيه مدينة كادقلي حالياً أسوأ وقعاً مما عانته مرِّ سنوات الحرب والتمرد التي ضربت ولاية جنوب كردفان طوال الثلاثين عاماً الماضية!!.
ظلت مدينة كادقلي تعيش تحت خط الفقر، ولكنها اليوم تحيا وهي تربط على بطنها حجراً من شـدة الجوع الذي سكن أحياءاً، وشرّد أُسراً، وأعـاد عائلات إلى عهد الجاهلية الأولى، حسب الروايات التي تتحدث عن شروع بعض أرباب الأسر في بيع فلزات الأكباد وتوزيع بعض الأبناء على العائلات المقتدرة لإعالتهم والاستفادة من ريع ذلك في تصريف شؤون الحياة في ظل انفلات مخيف لأسعار السلع الضرورية، ويكفي مثالاً أن جوال الذرة ( الغذاء الرئيس لمعظم سكان المنطقة) وصل إلى ١٥٠ ألف جنيه سوداني، ما يعادل بالتقريب ( ٢٥٠ دولاراً بالسعر الرسمي) فيما يبلغ السعر الحقيقي لجوال الذرة، ٦٥ جنيهاً سودانياً ( حوالي ١٠٨ دولاراً).
المعاناة التي تعيشها مدينة كادقلي تسبب فيها انقطاع الطريق الرئيس الذي يمثل شريان الحياة لولاية جنوب كردفان لكونه يربط بين حاضرة الولاية ومدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، حيث ترابط قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال جناح عبد العزيز الحلو في منطقة ( الكُرقٌل ) منذ شهر يونيو من العام الماضي، وترفض مرور الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية إلى مدينة كادقلي، في وقت تسيطر فيه مليشيا الدعم السريع على منطقة الدبيبات على بُعد ١٠٠ كيلو جنوب مدينة الأبيض.
ومنذ اندلاع الحرب منتصف أبريل من العام الماضي، ظلت مدينة كادقلي تتلوَّى من أوجاع هذه الحرب وتداعياتها المرهقة، حيث تشكو المدينة من ظلام دامس منذ اندلاع الحرب بفعل انقطاع التيار الكهربائي لنفاد الوقـود المشغِّل للمحطة الرئيسة، وكان قلب المدينة قد ارتعد رعباً من الهجمات التي كانت تنفذها قوات الحركة الشعبية شمال جناح عبد العزيز الحلو على أطراف المدينة، مما تسبب في نزوح وهجرة الكثير من سكانها شمالاً، يأتي ذلك في وقت يشكو فيه العاملون والموظفون من عدم صرف رواتبهم منذ اندلاع الحرب، وزاد انقطاع خدمات الاتصال طين المعاناة بِلَّة، بتوقف خدمات البنوك والتطبيقات المصرفية، هذا فضلاً عن مكابدة نفسية بانقطاع التواصل الاجتماعي مع الأهل والأحباب داخل وخارج البلاد.
وتبقى حكومة ولاية جنوب كردفان بقيادة الوالي محمد إبراهيم عبد الكريم، مغلوبة على أمرها في ظل هذا الوضع والتعقيدات المتداخلة، حيث تعاني الحكومة نفسها من صروف الرواتب منذ مايو من العام الماضي، وظلت تشكو لطوب الأرض من هذا التعب والنَّصَب في انتظار التفاتة من الحكومة الاتحادية ومد يد العون لرفع المُقاساة وتخفيفها عن كاهل مواطني مدينة كادقلي الذين يبدو أن العناء مكتوبٌ عليهم في كل الأوقات، سلماً وحرباً، وأخشى على هذه المدينة من أن تبيّض عيناها حزنأ لما يعتمل في دواخلها من غيظ وامتعاض جراء ما تعتقده تهميشاً وعدم مبالاة من الحكومة الاتحادية تجاهها، جراء الانشغال بحرب الكرامة الوطنية، وحشد الجهود والطاقات للقضاء على الميليشيا الإرهابية.
إننا نناشد السيد رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونناشد نائب رئيس مجلس السيادة الفريق مالك عقار الذي يملك نصيباً من كرسي السلطة والحكم في ولاية جنوب كردفان، ونناشد عضو مجلس السيادة، نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي بوصفه ممسكاً بمفاصل الولاية باعتباره واحداً من أبناء كردفان الجنوب، نناشدهم جميعاً بضرورة التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعادة البسمة إلى شفاه مواطني كادقلي، وتجفيف وجه المدينة من عرق المعاناة الذي امتد طويلا.
وثمة مناشدة إنسانية خاصة نهمس بها في أذن القائد عبد العزيز آدم الحلو، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، بضرورة فتح مسار الطريق في منطقة الكُرقُل والسماح للشاحنات الناقلة للبضائع والمواد الغذائية بالمرور إلى مدينة كادقلي تخفيفاً لمعاناة الإنسان هناك، طالما أن الحركة الشعبية لتحرير السودان وبحسب زعمها قد حملت السلاح من أجل المواطن المطحون في المنطقة، فما بالها تزيده كَبَدأ على كَبَد، وإحباطاً على إحباط، نقول ذلك ومواطنو جنوب كردفان، كانوا قد استبشروا خيراً بموقف الحركة الشعبية الداعم للقوات المسلحة في التصدي لميليشيا الدعم السريع المتمردة أثناء هجومها على مدينة الدلنج في يناير الماضي، فما لكم كيف تحكمون؟!.